الجمعة، 10 يونيو 2011

عمر بن عبد العزيز

نفحات
هاهوعمر بن عبد العزيز -عليه رحمات رب جليل- يعود يومًا بعد صلاة العشاء إلى داره وهو خليفة المسلمين، مقدرات الأمة بين يديه- يلمح بناته الصغار، فيسلم عليهن كعادته ، وكنّ يسارعن إلى تقبيله ، لكنهن هَرَبْنَ هذه المرة ، وهنَّ يغطين أفواههن ، فقال لزوجه : ما شأنهن ؟ قالت: لم يكن لديهن ما يتعشين به سوى عدس وبصل ، فكرهن أن تشم من أفواههن رائحة البصل ، فبكى وأجهش بالبكاء وهو يئن تحت وطأة المسؤولية ، ميزانية الأمَّة تحت يديه، يقول: يا بنياتي أينفعكن أن تتعشين أطيب الطعام والشراب ؟ ، وتكتسين أجمل الثياب من مال الأمة ، ثم يُأمر بأبيكن إلى النار ؟ قلن: لا ، لا ، ثم اندفعن يبكين .
فلا والله لا تسمع في البيت إلا الحنين والأنين .
لما حلَّت به سكرات الموت –عليه رحمة الله- دخل عليه [مسلمة] وقال : لقد تركت أبناءك فقراء جوعى فأوصِ بهم إلىَّ أو إلى أحد من أهل بيتك ، وكان مُضَّجعًا قال: أسندوني ، ثم صرخ ، والله ما منعت أبنائي حقًا لهم ، والله لن أعطيهم ما ليس لهم ، أما أن أوصي بهم إليك أو إلى غيرك فلا ، إن وصيَّ وولِيَّ فيهم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ، إن بنىَّ أحد رجلين ؛ إما رجل يتقي الله فسيجعل الله له مخرجًا ، ويرزقه من حيث لا يحتسب ، وإما رجل مكبٌّ على المعاصي فوالله لم أكن لأقويه على معصية الله ، ثم طلب جميع أولاده وهم بضعة عشر فاجتمعوا ، فنظر إليهم ، ثم ذرفت عيناه دموعًا حرَّى ، وقال: أفديكم بنفسي أيها الفتية الذين تركتهم فقراء لا شيء لهم .
يا بني إن أباكم خُيِّر بين أن تستغنوا ويدخل النار، أو تفتقروا ويدخل الجنة ، فكان أن تفتقروا ويدخل الجنة أحب إليه من أن تستغنوا ويدخل النار، إن وليَّي فيكم الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ، ثم تلا قوله تعالي:
( تِلْكَ الدَّارُ الآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا للذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوا فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ )
عباد الله كلنا في امتحان ، فبين راسب وناجح ، والمادة هي لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، بين عامل بمقتضاها قائم بأركانها وشروطها وواجباتها ، قالها موقنا محبًا منقادًا مستسلمًا ، صدَّقها قلبه ، وعملت جوارحه بها ، فهو الناجح ، وأي نجاح ! . وآخر قالها بلسانه وما صدقها بالعمل ، فهو الراسب المنافق . وآخر لم ينطقها ، فإلى جهنم وبئس القرار .
لا يأس يسكننا فإن كبر الأسى
وبغي فإن يقين قلبي أكبر
في منهج الرحمن أمن مخاوفي
وإليه في ليل الشدائد نجأر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق